فصل: كِتَابُ الصِّيَامِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***


كِتَابُ الصِّيَامِ

بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ صِيَامُ فَرْضٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلاَ نَذْرٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَلاَ بَأْسَ إنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ‏{‏رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِهِ فَيَقُولُ هَلْ مِنْ غَدَاءٍ‏؟‏، فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ قَالَ‏:‏ إنِّي صَائِمٌ‏}‏‏.‏

وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ الْهِلاَلَ قَدْ كَانَ، أَوْ يَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ فَيَعْلَمَ أَنَّ الْحَادِيَ وَالثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا‏}‏ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَقَدَّمُ الصِّيَامَ بِيَوْمٍ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَوَجَبَ الصِّيَامُ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى رُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطِ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يُقْبَلَ عَلَى مَغِيبٍ إلَّا شَاهِدَانِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَعَلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نِيَّةُ الصِّيَامِ لِلْغَدِ وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، أَوْ احْتِلاَمٍ اغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، ثُمَّ يَصُومُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَجْرَ لَمْ يَجِبْ وَقَدْ وَجَبَ، أَوْ يَرَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ وَجَبَ وَلَمْ يَجِبْ أَعَادَ‏.‏

وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ لَفَظَهُ فَإِنْ ازْدَرَدَهُ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَإِنْ كَانَ مُجَامِعًا أَخْرَجَهُ مَكَانَهُ، فَإِنْ مَكَثَ شَيْئًا، أَوْ تَحَرَّكَ لِغَيْرِ إخْرَاجِهِ أَفْسَدَ وَقَضَى كَفَّارَةً‏.‏

وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا أَفْطَرَ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ وَاحْتَجَّ فِي الْقَيْءِ بِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ أَقْرَبُ مَا يَحْضُرُنِي لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ مَا غَلَبَ النَّاسَ مِنْ الْغُبَارِ فِي الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ وَهَدْمِ الرَّجُلِ الدَّارَ وَمَا يَتَطَايَرُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعُيُونِ وَالْأُنُوفِ وَالْأَفْوَاهِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ حِينَ يَفْتَحُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَيُشْبِهُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ قِلَّةِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَحَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْت الرُّبَيِّعَ أَخْبَرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ الشَّكِّ أَنْ لاَ يَكُونَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا قَبْلَهُ وَيَحْتَمِلُ خِلاَفَهُ‏.‏

قَالَ وَإِنْ أَصْبَحَ لاَ يَرَى أَنَّ يَوْمَهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَطْعَمْ، ثُمَّ اسْتَبَانَ ذَلِكَ لَهُ فَعَلَيْهِ صِيَامُهُ وَإِعَادَتُهُ‏.‏

وَلَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا، فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَهُوَ فَرْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ‏.‏

وَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا عِنْدَهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ شَكٍّ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَأَوْلَجَ عَامِدًا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَكْلِ النَّاسِي قَالَ وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا ابْتَدَأَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَخْبَرَهُ الْوَاطِئُ أَنَّهُ لاَ يَجِدُ رَقَبَةً وَلاَ يَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلاَ يَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ سُفْيَانُ وَالْعِرْقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمِكْتَلُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ‏.‏

وَإِنْ أَكَلَ عَامِدًا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْعُقُوبَةُ وَلاَ كَفَّارَةَ إلَّا بِالْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ‏.‏

قَالَ وَإِنْ تَلَذَّذَ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى يُنْزِلَ فَقَدْ أَفْطَرَ وَلاَ كَفَّارَةَ وَإِنْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهَا حَتَّى يُغَيِّبَهُ، أَوْ فِي بَهِيمَةٍ، أَوْ تَلَوَّطَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ‏.‏

وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَتَصَدَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ كَيْفَ يُكَفِّرُ مِنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ وَالْإِفْطَارُ وَلاَ يُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْأَكْلُ فَأَكَلَ وَأَفْطَرَ وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ وَكَالْمُسَافِرِ وَكُلٌّ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ ‏{‏مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلاَ كَفَّارَةَ‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلِمْته فِيهِ كَفَّارَةً وَقَدْ أَفْطَرَ عَامِدًا وَكَذَا قَالُوا فِي الْحَصَاةِ يَبْتَلِعُهَا الصَّائِمُ‏.‏

قَالَ وَمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتهَا لَهُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ قَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ‏:‏ فِيهِ قَوْلٌ آخَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ يَبْقَى مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَفِي فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ فَيَجْرِي بِهِ الرِّيقُ وَرُوِيَ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ‏}‏ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي‏.‏

قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِهَا لِلشَّبَابِ وَلاَ يَكْرَهَانِهَا لِلشَّيْخِ‏.‏

قَالَ وَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ وَإِنْ تَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ‏.‏

وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى رَجُلٍ فَمَضَى لَهُ يَوْمٌ، أَوْ يَوْمَانِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ وَلاَ شَرِبَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَهُوَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ صَائِمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصْبَحَ رَاقِدًا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدِي صَائِمٌ أَفَاقَ، أَوْ لَمْ يُفِقْ وَالْيَوْمُ الثَّانِي لَيْسَ بِصَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ فِي اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ مُفِيقًا فَلَيْسَ بِصَائِمٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ قَضَتْ الصَّوْمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ مِنْ الصَّلاَةِ إلَّا مَا كَانَ فِي وَقْتِهَا الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا وَصَفْت فِي بَابِ الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرَ السُّحُورِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرَ السُّحُورِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَإِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ سَفَرًا يَكُونُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَإِنْ صَامَا فِي سَفَرِهِمَا أَجْزَأَهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ دَيْنًا وَلاَ قَضَاءَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ لِرَمَضَانَ وَلاَ لِغَيْرِهِ ‏{‏صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ وَقَالَ لِحَمْزَةَ رضي الله عنه‏:‏ إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا مُفْطِرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَائِضًا فَطَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ مُسَافِرًا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مُقِيمًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رُوِيَ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَامَ فِي مَخْرَجِهِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَمَرَ مَنْ صَامَ مَعَهُ بِالْإِفْطَارِ‏}‏، وَلَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ فِطْرُهُ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ وَمَنْ رَأَى الْهِلاَلَ وَحْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ، فَإِنْ رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ وَلاَ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ بِتَرْكِ فَرْضِ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ السُّلْطَانِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ أَقْبَلُ عَلَى رُؤْيَةِ الْفِطْرِ إلَّا عَدْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا بَعْضٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ لاَ يَقْبَلَ فِي الصَّوْمِ إلَّا عَدْلَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ قَالَ وَإِنْ صَحَّا قَبْلَ الزَّوَالِ أَفْطَرَ وَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ صَلاَةَ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلاَ صَلاَةَ فِي يَوْمِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي مِنْ الْغَدِ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ جَازَ فِي يَوْمِهِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ فِي أَقْرَبِ الْوَقْتِ كَانَ فِيمَا بَعْدَهُ أَبْعَدَ، وَلَوْ كَانَ ضُحَى غَدٍ مِثْلَ ضُحَى الْيَوْمِ لَزِمَ فِي ضُحَى يَوْمٍ بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ ضُحَى الْيَوْمِ‏.‏

قَالَ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ الشَّهْرَ ثُمَّ يَقْضِيَ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفِّرُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا لِمِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ حَتَّى مَاتَ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَنْ قَضَى مُتَفَرِّقًا أَجْزَأَهُ وَمُتَتَابِعًا أَحَبُّ إلَيَّ وَلاَ يُصَامُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلاَ أَيَّامُ مِنًى فَرْضًا، أَوْ نَفْلاً‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ بَلَعَ حَصَاةً، أَوْ مَا لَيْسَ بِطَعَامٍ، أَوْ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى جُرْحَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ اسْتَعَطَ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَوْفِ رَأْسِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا، وَإِذَا اسْتَنْشَقَ رَفْقُ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ أَوْ الْجَوْفِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ عَامِدٌ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى‏:‏ لاَ يَلْزَمُهُ حَتَّى يُحْدِثَ ازْدِرَادًا فَأَمَّا إنْ كَانَ أَرَادَ الْمَضْمَضَةَ فَسَبَقَهُ لِإِدْخَالِ النَّفَسِ وَإِخْرَاجِهِ فَلاَ يُعِيدُ هَذَا خَطَأٌ فِي مَعْنَى النِّسْيَانِ، أَوْ أَخَفُّ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إذَا كَانَ الْآكِلُ لاَ يَشُكُّ فِي اللَّيْلِ فَيُوَافِي الْفَجْرَ مُفْطِرًا بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ بِالنَّاسِي أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَائِمٌ وَالسَّابِقُ إلَى جَوْفِهِ الْمَاءُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَائِمٌ فَإِذَا أَفْطَرَ فِي الْأَشْبَهِ بِالنَّاسِي كَانَ الْأَبْعَدُ عِنْدِي أَوْلَى بِالْفِطْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الشُّهُورُ عَلَى أَسِيرٍ فَتَحَرَّى شَهْرَ رَمَضَانَ فَوَافَقَهُ، أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَلِلصَّائِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ وَيَنْزِلَ الْحَوْضَ فَيَغْطِسَ فِيهِ وَيَحْتَجِمَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ صَائِمًا‏.‏

قَالَ، وَمِمَّا سَمِعْت مِنْ الرَّبِيعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَعْلَمُ فِي الْحِجَامَةِ شَيْئًا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثَانِ‏:‏ حَدِيثُ ‏{‏أَفْطَرَ الْحَاجِمُ‏}‏، وَحَدِيثٌ آخَرُ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ‏}‏ فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَإِنَّ فِيهِ بَيَانًا وَأَنَّهُ زَمَنُ الْفَتْحِ وَحِجَامَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُهُ‏.‏

وَأَكْرَهُ الْعِلْكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ الرِّيقَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ‏.‏

وَمَنْ احْتَلَمَ مِنْ الْغِلْمَانِ، أَوْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُمَا يَسْتَقْبِلاَنِ الصَّوْمَ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى‏.‏

وَأُحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صِيَامَهُ عَنْ اللَّغَطِ الْقَبِيحِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَإِنْ شُوتِمَ أَنْ يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ- فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏ قَالَ الْمَرْأَةُ الْهَرِمَةُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ يَقْرَءُونَهَا ‏{‏يُطِيقُونَهُ‏}‏، وَكَذَلِكَ نَقْرَؤُهَا، وَنَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ نَزَلَ فَرْضُ الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ قَالَ وَآخِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ‏{‏فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا‏}‏ فَزَادَ عَلَى مِسْكِينٍ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ قَالَ ‏{‏وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ قَالَ فَلاَ يَأْمُرُ بِالصِّيَامِ مَنْ لاَ يُطِيقُهُ، ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ ‏{‏فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏}‏، وَإِلَى هَذَا نَذْهَبُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا بَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى فِيهِ عَنْ التَّأْوِيلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ فِي الصَّوْمِ السِّوَاكَ بِالْعُودِ الرَّطْبِ وَغَيْرِهِ وَأَكْرَهُهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا أُحِبُّ مِنْ خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ‏.‏

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمَّتِهِ ‏{‏عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت خَبَّأْنَا لَك حَيْسًا فَقَالَ أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ ‏{‏صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ ثُمَّ أَفْطَرَ‏}‏ وَرَكَعَ عُمَرُ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ وَمِمَّا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رحمه الله وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا لاَ يَرَيَانِ بِالْإِفْطَارِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهَا لَهُ أَجْرُ مَا احْتَسَبَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلاَةٍ فَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَتِمَّ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ التَّمَامِ لَمْ يُعِدْ‏.‏

بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ النَّاسِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ حَظَرَهَا عَلَيْهِمْ وَفِي أُمُورٍ كَتَبَهَا عَلَيْهِ خَفَّفَهَا عَنْهُمْ‏.‏

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ شابور وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ قَزْعَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ السَّنَةِ وَالسَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً‏}‏ قَالَ فَأُحِبُّ صَوْمَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا فَأُحِبُّ لَهُ تَرْكَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ حَاجٌّ مُضَحٍّ مُسَافِرٌ وَلِتَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَوْمَهُ فِي الْحَجِّ وَلِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ‏.‏

بَابُ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا وَلَوْ صَامَهَا مُتَمَتِّعٌ لاَ يَجِدُ هَدْيًا لَمْ يُجْزِ عَنْهُ عِنْدَنَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قَدْ كَانَ قَالَ يُجْزِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ‏.‏

بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَطَلَبِ الْقِرَاءَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الزِّيَادَةَ بِالْجُودِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اقْتِدَاءً بِهِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ فِيهِ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَلِتَشَاغُلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ عَنْ مَكَاسِبِهِمْ‏.‏

بَابُ الِاعْتِكَافِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ قَالَ وَأُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتهَا قَالَ وَرَأَيْتنِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ فِي صَبِيحَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ وَلاَ أُحِبُّ تَرْكَ طَلَبِهَا فِيهَا كُلِّهَا وَرُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَغَسَلْته وَأَنَا حَائِضٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ فِي الْبَيْتِ لِيُغْسَلَ وَيُرَجَّلَ وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَفِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ لَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ يُوجِبُ الصَّوْمَ وَإِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ تَطَوُّعٍ وَفِي اعْتِكَافِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ لِلِاعْتِكَافِ فَتَفَهَّمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ لَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ لاَ يَجُوزُ إلَّا مُقَارِنًا لِلصَّوْمِ لَخَرَجَ مِنْهُ الصَّائِمُ بِاللَّيْلِ لِخُرُوجِهِ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِاللَّيْلِ وَخَرَجَ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ ثَبَتَ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ الصَّوْمِ، وَقَدْ ‏{‏أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً كَانَتْ عَلَيْهِ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلاَ صِيَامَ فِيهَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِذَا هَلَّ شَوَّالٌ فَقَدْ أَتَمَّ الْعَشْرَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الِاعْتِكَافِ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِأَنْ يَقُولَ إنْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَلاَ يَنْوِيَ أَيَّامًا مَتَى شَاءَ خَرَجَ وَاعْتِكَافُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ فَمِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَخْرُجُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ بَعُدَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَإِنْ أَكَلَ فِيهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ يُقِيمُ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيَخِيطَ وَيُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيُحَدِّثَ بِمَا أَحَبَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا وَلاَ يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلاَ جِدَالٌ وَلاَ يَعُودُ الْمَرْضَى وَلاَ يَشْهَدُ الْجِنَازَةَ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا أَنْ يَصْعَدَ الْمَنَارَةَ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا وَأَكْرَهُ الْأَذَانَ بِالصَّلاَةِ لِلْوُلاَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ فَإِنْ فَعَلَ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَإِنْ مَرِضَ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ وَاعْتِكَافُهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بَرِئَ أَوْ خُلِّيَ عَنْهُ بَنَى فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ بُرْئِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ نُقِضَ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِصَوْمٍ فَأَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي بَابِ مَا جَمَعْت لَهُ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ لاَ يُبَاشِرُ الْمُعْتَكِفُ فَإِنْ فَعَلَ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مَسَائِلَ فِي الِاعْتِكَافِ لاَ يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ مِنْ الْوَطْءِ إلَّا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ فِي الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَنْ الْجِمَاعِ فَلَمَّا لَمْ يَفْسُدْ عِنْدَهُ صَوْمٌ وَلاَ حَجٌّ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ الْإِنْزَالَ فِي الصَّوْمِ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ فِي الِاعْتِكَافِ كَذَلِكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَلَمْ يَقُلْ مُتَتَابِعًا أَحْبَبْته مُتَتَابِعًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مُتَفَرِّقًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ نَوَى يَوْمًا فَدَخَلَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ إلَى مِثْلِهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ قَالَ يَوْمَيْنِ فَإِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةُ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ اعْتِكَافُهُ لَيْلَةً، وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ فَقَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ فِي مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَإِذَا قَدَرَ قَضَاهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذْ قَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَنْ يَقْضِيَ مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَكْمَلَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، وَقَدْ يَقْدُمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ يَوْمٍ فَيَقْضِي بَعْضَ يَوْمٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى يَتِمَّ يَوْمٌ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ يَوْمًا حَتَّى يَكُونَ اعْتِكَافُهُ مَوْصُولاً كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ وَيَأْكُلاَ وَيَتَطَيَّبَا بِمَا شَاءَا، وَإِنْ هَلَكَ زَوْجُهَا خَرَجَتْ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ بَنَتْ وَلاَ بَأْسَ أَنْ تُوضَعَ الْمَائِدَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ فِي الطَّشْتِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُنْكِحَ نَفْسَهُ وَيُنْكِحَ غَيْرَهُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُونَ يَعْتَكِفُونَ حَيْثُ شَاءُوا؛ لِأَنَّهُ لاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ‏.‏

كِتَابُ الْحَجِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَرَضَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْحَجَّ عَلَى كُلِّ حُرٍّ بَالِغٍ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَهْرِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَجْهَانِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِبَدَنِهِ وَاجِدًا مِنْ مَالِهِ مَا يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ، ‏{‏قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِطَاعَةُ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَادٌ وَرَاحِلَةٌ‏}‏ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا فِي بَدَنِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى مَرْكَبٍ بِحَالٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْ يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِطَاعَتِهِ لَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ فَيَكُونَ هَذَا مِمَّنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ كَمَا قَدَرَ وَمَعْرُوفٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ‏:‏ أَنَا مُسْتَطِيعٌ لاََنْ أَبْنِيَ دَارِي أَوْ أَخِيطَ ثَوْبِي يَعْنِي بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِمَنْ يُطِيعُنِي وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ نَعَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ نَفَعَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَضَاءَهَا الْحَجَّ عَنْهُ كَقَضَائِهَا الدَّيْنَ عَنْهُ فَلاَ شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ مِمَّا جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَاحْجُجْ‏}‏ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِشَيْخٍ كَبِيرٍ لَمْ يَحُجَّ إنْ شِئْت فَجَهَّزَ رَجُلاً يَحُجُّ عَنْك

بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ بِالْغَيْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اسْتَطَاعَ الرَّجُلُ فَأَمْكَنَهُ مَسِيرُ النَّاسِ مِنْ بَلَدِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَإِنْ مَاتَ قَضَى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِبُعْدِ دَارِهِ وَدُنُوِّ الْحَجِّ مِنْهُ، وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى يُمْكِنَهُ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَ عَامَ جَدْبٍ أَوْ عَطَشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ خَوْفُ عَدُوٍّ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِدٍ لِلسَّبِيلِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ‏:‏ الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْقِيَاسُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلْيَسْتَأْجِرْ عَنْهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَقَلَّ مَا يُؤْجَرُ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلاَ يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا مَنْ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ فَهِيَ عَنْهُ وَلاَ أُجْرَةَ لَهُ وَرُوِيَ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يُلَبِّي عَنْ فُلاَنٍ فَقَالَ لَهُ إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِك‏}‏ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ ‏"‏ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ وَيْحَك، ‏"‏ وَمَنْ شُبْرُمَةُ‏؟‏ ‏"‏ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ‏"‏ اُحْجُجْ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ‏"‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ مُتَطَوِّعًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ كَانَ فَرْضَهُ أَوْ عُمْرَةٌ كَانَتْ فَرْضَهُ‏.‏

بَابُ بَيَانِ وَقْتِ فَرْضِ الْحَجِّ وَكَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أُنْزِلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ‏{‏وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ وَتَخَلَّفَ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ لاَ مُحَارِبًا وَلاَ مَشْغُولاً بِشَيْءٍ وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ قَادِرِينَ عَلَى الْحَجِّ وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏}‏ وَلَوْ كَانَ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَرْضَ وَلاَ تَرَكَ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ حَجَّ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَوَقْتُ الْحَجِّ مَا بَيْنَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ‏.‏

بَابُ بَيَانِ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ أَيُهَلُّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ‏؟‏ قَالَ لاَ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت رَجُلاً جَاءَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فِي رَمَضَانَ مَا كُنْت قَائِلاً لَهُ‏؟‏ قَالَ أَقُولُ لَهُ اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ فَإِنَّهَا تَكُونُ عُمْرَةً كَرَجُلٍ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَتَكُونُ نَافِلَةً‏.‏

قَالَ‏:‏ وَوَقْتُ الْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ وَمَنْ قَالَ لاَ يَعْتَمِرُ إلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ أَعْمَرَ عَائِشَةَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ وَخَالَفَ فِعْلَ عَائِشَةَ نَفْسِهَا وَعَلِيٍّ رضي الله عنه وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ رحمهم الله‏.‏

بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ كَالْحَجِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ذِكْرُهُ- ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ فَقَرَنَ الْعُمْرَةَ بِهِ وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً ‏{‏وَاعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْحَجِّ‏}‏ وَمَعَ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَكِّيِّينَا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَانِ الْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ هَدْيًا وَلَوْ كَانَتْ نَافِلَةً أَشْبَهَ أَنْ لاَ تُقْرَنَ مَعَ الْحَجِّ‏.‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ‏}‏‏.‏

بَابُ الْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقْرُنَ الْعُمْرَةَ مَعَ الْحَجِّ وَيُهْرِيقَ دَمًا وَالْقَارِنُ أَخَفُّ حَالاً مِنْ الْمُتَمَتِّعِ‏.‏ وَإِنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَنْشَأَهُ مِنْ مَكَّةَ لاَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ بَعْدَ الْحَجِّ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَهَلَّ مِنْ أَيْنَ شَاءَ فَسَقَطَ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مِيقَاتِهَا وَلاَ مِيقَاتَ لَهَا دُونَ الْحِلِّ كَمَا يَسْقُطُ مِيقَاتُ الْحَجِّ إذَا قَدَّمَ الْعُمْرَةَ قَبْلَهُ لِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْمَرَ عَائِشَةُ مِنْهَا وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِعُمْرَةٍ مِنْهَا‏.‏

بَابُ بَيَانِ إفْرَادِ الْحَجِّ عَنْ الْعُمْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ الْأَحَادِيثِ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ يُشْبِهُ أَنْ يَقُولَ قَالَهُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي أَدْرَكَ وَفْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَحَدًا لاَ يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى حَجٍّ إلَّا، وَقَدْ ابْتَدَأَ إحْرَامَهُ بِحَجٍّ وَأَحْسَبُ عُرْوَةَ حِينَ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِحَجٍّ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ يَفْعَلُ فِي حَجِّهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَخْرَجِهِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الِاخْتِلاَفِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانِ وَاسِعٌ كُلُّهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ ‏{‏خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً‏}‏‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ أَثْبَتَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ دُونَ حَدِيثِ مَنْ قَالَ قَرَنَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَلِرِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَضَاءَ إذْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ الْحَجِّ طَلَبَ الِاخْتِيَارِ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَانْتَظَرَ الْقَضَاءَ كَذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْحَجِّ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَنَ حَتَّى يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ سِوَاهُ فَأَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ وَأَدَاءُ الْفَرْضَيْنِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ فَرْضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ عَمَلُهُ لِلَّهِ كَانَ أَكْثَرَ فِي ثَوَابِ اللَّهِ‏.‏

بَابُ بَيَانِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ الْمَوَاقِيتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ صَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ حِينَ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَعَلَيْهِ أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ الْحَجِّ حَتَّى يَصُومَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنْ يَكُونَ آخِرُ مَالَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ فِي آخِرِ صِيَامِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ عَرَفَةَ مِنْ الْحَجِّ، وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ لاَ صَوْمَ فِيهِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلاَ يُصَامُ فِيهِ وَلاَ أَيَّامِ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا وَأَنَّ مَنْ طَافَ فِيهَا فَقَدْ حَلَّ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ أَقُولَ هَذَا فِي حَجٍّ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ، وَقَدْ كُنْت أَرَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْ قَالَ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى ذَهَبَ عَنْهُ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قَوْلُهُ هَذَا قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوَّى فِي نَهْيِهِ عَنْهَا وَعَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ صِيَامُ يَوْمِ النَّحْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَكَذَلِكَ أَيَّامُ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ تُصُدِّقَ عَمَّا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَدَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ لاَ مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ سَافَرَ إلَيْهِ صَلَّى صَلاَةَ الْحَضَرِ وَمِنْهُ يَرْجِعُ مَنْ لَمْ يَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَطُوفَ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسَافِرًا أَجْزَأَهُ دَمٌ‏.‏

بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ قَرْنًا وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَالْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَأَيُّهُمْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَالْمَوَاقِيتُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ وَمَنْ سَلَكَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا تَأَخَّرَ حَتَّى يُهِلَّ مِنْ حَذْوِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ وَرَائِهَا وَلَوْ أَتَى عَلَى مِيقَاتٍ لاَ يُرِيدُ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ أَحْرَمَ مِنْهُ وَذَلِكَ مِيقَاتُهُ وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ لاَ يُجَاوِزُهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ الْفُرْعِ وَهَذَا عِنْدَنَا أَنَّهُ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ لاَ يُرِيدُ إحْرَامًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ أَوْ جَاءَ إلَى الْفُرْعِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ، وَرُوِيَ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ‏}‏‏.‏

بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ وَتَجَرَّدَ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَيَتَطَيَّبُ لِإِحْرَامِهِ إنْ أَحَبَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً عِنْدَ دُخُولِهِ فِيهِ وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَتَطَيَّبَ لِإِحْرَامِهِ‏}‏ وَتَطَيَّبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةً فَهِيَ عُمْرَةٌ، وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ يُرِيدُ حَجًّا فَهُوَ حَجٌّ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَبَّى يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَلَهُ الْخِيَارُ أَيُّهُمَا شَاءَ‏.‏ وَإِنْ لَبَّى بِأَحَدِهِمَا فَنَسِيَهُ فَهُوَ قَارِنٌ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُلَبِّي الْمُحْرِمُ قَائِمًا، وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَنَازِلاً وَجُنُبًا وَمُتَطَهِّرًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي جَمِيعِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ وَالْهُبُوطِ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَفِي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبِالْأَسْحَارِ وَنُحِبُّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ ‏{‏لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَك‏}‏؛ لِأَنَّهَا تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَضِيقُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ‏.‏ وَأَخْتَارُ أَنْ يُفْرِدَ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَقْصُرُ عَنْهَا وَلاَ يُجَاوِزُهَا إلَّا أَنْ يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَيَقُولُ ‏{‏لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ‏}‏ فَإِنَّهُ لاَ يُرْوَى عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ أَنَّهُ زَادَ غَيْرَ هَذَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلَّا مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ السَّتْرِ وَأَسْتَرُ لَهَا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، وَإِنَّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَالدِّرْعَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخِمَارَ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا فَلاَ تُخَمِّرُهُ وَتَسْدُلُ عَلَيْهِ الثَّوْبَ وَتُجَافِيهِ عَنْهُ وَلاَ تَمَسُّهُ وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا فَإِنْ خَمَّرَتْ وَجْهَهَا عَامِدَةً افْتَدَتْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَخْتَضِبَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ ‏{‏مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَمْسَحَ الْمَرْأَةُ بِيَدَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْحِنَّاءِ وَلاَ تُحْرِمُ وَهِيَ غُفْلٌ‏}‏ وَأُحِبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ لَيْلاً وَلاَ رَمَلَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تَطُوفُ عَلَى هَيْنَتِهَا‏.‏

بَابُ فِيمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ اللُّبْسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَمِيصًا وَلاَ عِمَامَةً وَلاَ بُرْنُسًا وَلاَ خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لاَ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ وَلاَ شَيْءٌ مِنْ الطِّيبِ وَلاَ يُغَطِّي رَأْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَلُبْسِ ثَوْبٍ مَخِيطٍ وَخُفَّيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَكَانِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسَةٍ فِدْيَةٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ فَحَلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَإِنْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَالْفَرْقُ فِي الْمُتَطَيِّبِ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ، وَقَدْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الصُّفْرَةِ‏}‏، وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِي الْخَبَرِ بِفِدْيَةٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ وَهَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّائِمِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْتِقْ وَافْعَلْ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا شَمَّ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ مِمَّا لاَ يُتَّخَذُ طِيبًا أَوْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ أُتْرُجًّا أَوْ دَهَنَ جَسَدَهُ بِغَيْرِ طِيبٍ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِدُهْنٍ غَيْرِ طِيبٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدَّهْنِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَيَدْهِنُ الْمُحْرِمُ الشِّجَاجَ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ مِنْ الرَّأْسِ وَلاَ فِدْيَةَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الزَّيْتُ لِكُلِّ حَالٍ يَدْهَنُ بِهِ الْمُحْرِمُ الشَّعْرَ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ مَا أَكَلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا أَكَلَ مِنْ خَبِيصٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلاَ فِدْيَةَ فِيهِ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنْ الطِّيبِ، وَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا لاَ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ رِيحٌ فَلاَ فِدْيَةَ وَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ وَيَشْتَرِيَ الطِّيبَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ وَيَجْلِسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجْمَرُ، وَإِنْ مَسَّهَا وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّهَا رَطْبَةٌ فَعَلِقَ بِيَدِهِ طِيبٌ غَسَلَهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ افْتَدَى، وَإِنْ حَلَقَ وَتَطَيَّبَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَةً فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ فَمُدَّانِ، وَإِنْ حَلَقَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ فَدَمٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ وَالْعَمْدُ فِيهَا وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ وَيَحْلِقُ الْمُحْرِمُ شَعْرَ الْمُحِلِّ، وَلَيْسَ لِلْمُحِلِّ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا كَانَ أَوْ نَائِمًا رَجَعَ عَلَى الْحَالِّ بِفِدْيَةٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَأَصَبْت فِي سَمَاعِي مِنْهُ ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَدِيَ وَيَرْجِعَ بِالْفِدْيَةِ عَلَى الْمُحِلِّ وَهَذَا أَشْبَهَ بِمَعْنَاهُ عِنْدِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالْكُحْلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ افْتَدَى وَلاَ بَأْسَ بِالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ وَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِكُمْ شَيْئًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الْعِرْقَ وَيَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا ‏{‏وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمًا‏}‏ وَلاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ فَإِنْ نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَيَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْمِنْطَقَةَ لِلنَّفَقَةِ وَيَسْتَظِلُّ فِي الْمَحْمَلِ وَنَازِلاً فِي الْأَرْضِ‏.‏

بَابُ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَبَيَانُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ ذِي طُوًى لِدُخُولِ مَكَّةَ وَيَدْخُلُ مِنْ ثَنِيَّةَ كَذَا وَتَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ ‏{‏لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءَ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عليه السلام لِلْحَائِضِ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً‏.‏ وَقَالَ‏:‏ وَتَقُولُ ‏"‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْك السَّلاَمُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلاَمِ ‏"‏ وَيَفْتَتِحُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلاَمِ فَيُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ وَيُقَبِّلُهَا وَلاَ يُقَبِّلُهُ؛ لِأَنَّى لَمْ أَعْلَمْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَبَّلَ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَاسْتَلَمَ الْيَمَانِيَّ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ وَلاَ يَبْتَدِئُ بِشَيْءٍ غَيْرِ الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْإِمَامَ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ يَخَافَ فَوْتَ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَقُولُ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ وَالِاسْتِلاَمَ ‏"‏ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَيَضْطَبِعُ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اضْطَبَعَ حِينَ طَافَ‏}‏ ثُمَّ عُمَرُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ وَالِاسْتِلاَمُ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَفْعٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا وَيَمْشِي أَرْبَعًا وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلاَثًا‏}‏ وَالرَّمَلُ هُوَ الْخَبَبُ لاَ شِدَّةَ السَّعْيِ وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ وَكَانَ إذَا وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ ثُمَّ رَمَلَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَحْبَبْت أَنْ يَصِيرَ حَاشِيَةً فِي الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ فَيَتَحَرَّكَ حَرَكَةَ مَشْيِهِ مُتَقَارِبًا وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَثِبَ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلاَثِ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَرْبَعِ، وَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ وَالِاسْتِلاَمَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَبَّرَ، وَقَالَ فِي رَمَلِهِ ‏"‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا ‏"‏ وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ ‏"‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏"‏ وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَلاَ يُجْزِئُ الطَّوَافُ إلَّا بِمَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلاَةُ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَغَسْلِ النَّجَسِ فَإِنْ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ وَابْتَدَأَ، وَإِنْ بَنَى عَلَى طَوَافٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي الطَّوَافِ، وَإِنْ نَكَّسَ الطَّوَافَ لَمْ يُجْزِهِ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ الشَّاذَرْوَانُ تَأْزِيرُ الْبَيْتِ خَارِجًا عَنْهُ وَأَحْسَبُهُ عَلَى أَسَاسِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَايِنًا لِأَسَاسِ الْبَيْتِ لاََجْزَأَهُ الطَّوَافُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا فَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو اللَّهَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ فَيَصْنَعَ عَلَيْهَا كَمَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلاَ يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَلَكِنْ يُقَصِّرْنَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ ‏{‏‏;‏ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ وَكَانَتْ قَارِنَةً طَوَافُك يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك‏}‏ غَيْرَ أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ الْهَدْيَ؛ لِقِرَانِهِ وَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ مَعَ إمَامِهِ‏.‏

وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّة بَعْدَ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْغُدُوِّ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى لِيُوَافُوا الظُّهْرَ بِمِنًى فَيُصَلِّي بِهَا الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالصُّبْحَ مِنْ الْغَدِ ثُمَّ يَغْدُو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى تَلْبِيَتِهِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فَإِذَا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ وَأَخَذَ هُوَ فِي الْكَلاَمِ وَخَفَّفَ الْكَلاَمَ الْآخِرَ حَتَّى يَنْزِلَ بِقَدْرِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ يُقِيمُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ وَلاَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَرُوحُ إلَى الْمَوْقِفِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ وَحَيْثُمَا وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏هَذَا مَوْقِفٌ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيُّ يَقُولُ عَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نُعْمَانَ، وَإِلَى حُصَيْنٍ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ وَأُحِبُّ لِحَاجٍّ تَرْكَ صَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصُمْهُ وَأَرَى أَنَّهُ أَقْوَى لِلْمُفْطِرِ عَلَى الدُّعَاءِ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ‏.‏ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فَإِذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ جَمَعَ مَعَ الْإِمَامِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهُمَا بِهَا وَلَمَّا يُنَادِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِإِقَامَةٍ وَلاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا وَلاَ عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ يَعْنِي مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَأْخُذُ مِنْهَا الْحَصَى لِلرَّمْيِ يَكُونُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ؛ لِأَنَّ بِقَدْرِهَا رَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَ أَجْزَأَ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ مَرْمَرٍ أَوْ بِرَامٍ أَوْ كَذَّانَ أَوْ فِهْرٍ فَإِنْ كَانَ كُحْلاً أَوْ زِرْنِيخًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ رَمَى بِمَا قَدْ رَمَى بِهِ مَرَّةً كَرِهْته وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ حَصَاةٌ عَلَى مَحْمَلٍ ثُمَّ اسْتَنَّتْ فَوَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي ثَوْبِ رَجُلٍ فَنَفَضَهَا لَمْ يُجْزِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ يَقِفُ عَلَى قُزَحَ حَتَّى يُسْفِرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى مِنًى فَإِذَا صَارَ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ دَابَّتَهُ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ فَإِذَا أَتَى مِنًى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَمَى حَتَّى يُرَى بَيَاضُ مَا تَحْتِ مَنْكِبَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ وَتُوَافِيَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ يُوَافِيَهُ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ رَمَتْ إلَّا قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ يَنْحَرُ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ فَقَطْ وَلاَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ لَمْ يَزَالُوا يُلَبُّونَ حَتَّى رَمَوْا الْجَمْرَةَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَتَطَيَّبُ إنْ شَاءَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَطَيَّبَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ النَّحْرَ وَالرَّمْيَ وَالتَّعْجِيلَ لِمَنْ أَرَادَهُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ وَمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا قَبْلَ نُسُكٍ مِمَّا يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلاَ حَرَجَ وَلاَ فِدْيَةَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ ‏{‏افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ‏}‏ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْفَرْضِ وَهِيَ الْإِفَاضَةُ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ ثُمَّ يَرْمِي أَيَّامَ مِنًى الثَّلاَثَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ الْجَمْرَةُ الْأُولَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ فَإِنْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهُنَّ كَوَاحِدَةٍ، وَإِنْ نَسِيَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ شَيْئًا مِنْ الرَّمْيِ رَمَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَا نَسِيَهُ فِي الثَّانِي رَمَاهُ فِي الثَّالِثِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ إذَا رَمَى الرِّعَاءُ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَصْدُرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيْلَتِهِمْ وَيَدَعُوا الرَّمْيَ مِنْ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ يَأْتُوا مِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الْمَاضِي ثُمَّ يَعُودُوا فَيَسْتَأْنِفُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ الثَّالِثِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ فَيُوَدِّعُ الْحَاجَّ وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا حَجَّهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ حَتَّى يُمْسِيَ رَمَى مِنْ الْغَدِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ انْقَضَتْ أَيَّامُ مِنًى‏.‏ وَإِنْ تَدَارَكَ عَلَيْهِ رَمْيَانُ فِي أَيَّامِ مِنًى ابْتَدَأَ الْأَوَّلَ حَتَّى يُكْمِلَ ثُمَّ عَادَ فَابْتَدَأَ الْآخَرَ وَلَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَرْمِيَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الرَّمْيِ وَتَرَكَ حَصَاةً فَعَلَيْهِ مُدُّ طَعَامٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمِسْكِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَصَاتَانِ فَمُدَّانِ لِمِسْكِينَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلاَثُ حَصَيَاتٍ فَدَمٌ، وَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيْهِ مُدَّانِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَدَمٌ وَالدَّمُ شَاةٌ يَذْبَحُهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلاَ رُخْصَةَ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى إلَّا لِرِعَاءِ الْإِبِلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏ وَلاَ رُخْصَةَ فِيهَا إلَّا لِمَنْ وَلِيَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ مَنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَبِيتُوا بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى وَيَفْعَلُ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ أَمْرِهِ مَا يَفْعَلُ الْكَبِيرُ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ الصَّبِيُّ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حُمِلَ وَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ وَجُعِلَ الْحَصَى فِي يَدِهِ لِيَرْمِيَ فَإِنْ عَجَزَ رُمِيَ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى إلَّا وَدَاعُ الْبَيْتِ فَيُوَدِّعُ الْبَيْتَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى بَلَدِهِ وَالْوَدَاعُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَطُفْ وَانْصَرَفَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وَدَاعٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ بِلاَ وَدَاعٍ‏.‏

وَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ الْمُحْرِمَةَ فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَسَوَاءٌ وَطِئَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ بَدَنَةٌ وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ بِامْرَأَتِهِ وَيُجْزِي عَنْهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ وَمَا تَلَذَّذَ مِنْهَا دُونَ الْجِمَاعِ فَشَاةٌ تُجْزِئُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُفْسِدُ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا هَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ يَعْسُرُ بِهِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصُّ خَبَرٍ وَلاَ يَكُونُ الطَّعَامُ وَالْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي الصَّوْمِ وَمَنْ وَطِئَ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَيُتِمُّ حَجَّهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قَرَأْت عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت أَنَا‏:‏ إنْ لَمْ تَكُنْ الْبَدَنَةُ إجْمَاعًا أَوْ أَصْلاً فَالْقِيَاسُ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا هَدْيٌ عِنْدِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُحِلَّ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحِلاَقٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ حَلَّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَلَيْسَ أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً وَكَيْفَ يَصِيرُ عُمْرَةً، وَقَدْ ابْتَدَأَهُ حَجًّا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إذَا كَانَ عَمَلُهُ عِنْدَهُ عَمَلَ حَجٍّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَى عُمْرَةٍ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَاقِي الْحَجِّ وَهُوَ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَالرَّمْيُ بِهَا مَعَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ عُمَرَ افْعَلْ مَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ لاَ أَنَّهَا عُمْرَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِمُبَايَنَتِهَا جَمِيعَ الْبُلْدَانِ إلَّا أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَخَّصَ لِلْحَطَّابِينَ وَمَنْ يَدْخُلُهُ لِمَنَافِعِ أَهْلِهِ أَوْ كَسْبِ نَفْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّ حَطَّابِيهِمْ عَبِيدٌ وَمَنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ‏.‏

بَابُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ وَلْيَطُفْ بِهِ وَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ لِيَحْلِق أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ قَابِلاً فَلْيَحْجُجْ وَلْيَهْدِ ‏"‏ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ ‏"‏ اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتُ فَإِذَا أَدْرَكْتُ الْحَجَّ قَابِلاً فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ‏"‏، وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَيْضًا لِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ مِثْلَ مَعْنَى ذَلِكَ وَزَادَ ‏"‏ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت ‏"‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ دَلاَلَةٌ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَبَا أَيُّوبَ عَمَلَ الْمُعْتَمِرِ لاَ أَنَّ إحْرَامَهُ صَارَ عُمْرَةً‏.‏

بَابُ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْعَبْدُ إذَا عَتَقَ وَالذِّمِّيُّ إذَا أَسْلَمَ، وَقَدْ أَحْرَمُوا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا بَلَغَ غُلاَمٌ أَوْ أُعْتِقَ عَبْدٌ أَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ، وَقَدْ أَحْرَمُوا ثُمَّ وَافَوْا عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكُوا الْحَجَّ وَعَلَيْهِمْ دَمٌ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لاَ يَبِينُ لَهُ أَنَّ الْغُلاَمَ وَالْعَبْدَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ دَمٌ وَأَوْجَبَهُ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ وَهُوَ كَافِرٌ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فَإِذَا لَمْ يَبِنْ عِنْدَهُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ دَمًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ فَالْكَافِرُ أَحَقُّ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ مَعَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ وَالْإِسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَعَ الْإِسْلاَمِ بِعَرَفَاتٍ فَكَأَنَّهَا مَنْزِلُهُ أَوْ كَرَجُلٍ صَارَ إلَى عَرَفَةَ وَلاَ يُرِيدُ حَجًّا ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا ثُمَّ أَحْرَمَ فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ أُعْتِقَ وَالْمُرَاهِقُ بِوَطْءٍ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ احْتَلَمَ أَتَمَّا وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَيْهِ مِنْ مِحَفَّتِهَا صَبِيًّا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا جَعَلَ لَهُ حَجًّا فَالْحَاجُّ إذَا جَامَعَ أَفْسَدَ حَجَّهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ عِنْدِي يُعِيدُ وَيُهْدِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَحْبَبْت أَنْ يَدَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ حَبْسُهُ وَفِيهِ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ تُقَوَّمُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ثُمَّ يُحِلُّ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ شَاةٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ عِنْدِي بِمَذْهَبِهِ أَنْ يُحِلَّ وَلاَ يُظْلَمُ مَوْلاَهُ بِغَيْبَتِهِ وَمَنْعِ خِدْمَتِهِ فَإِذَا أُعْتِقَ أَهْرَاقَ دَمًا فِي مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ فَأَعْطَاهُ دَمًا لِتَمَتُّعِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ إلَّا الصَّوْمُ مَا كَانَ مَمْلُوكًا وَيُجْزِي أَنْ يُعْطَى عَنْهُ مَيِّتًا كَمَا يُعْطَى عَنْ مَيِّتٍ قَضَاءً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا‏.‏

بَابُ هَلْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ مَعًا أَوْ يَحُجُّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَجًّا آخَرَ أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَهُوَ حَجٌّ وَاحِدٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلاَ فِدْيَةَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ حَجَّةٍ فَإِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لاَ يَعْمَلُ عَمَلَ حَجَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَلاَ عُمْرَتَيْنِ وَلاَ صَوْمَيْنِ فِي حَالٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ مَعْنَى إلَّا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَبَطَلَتْ الْأُخْرَى‏.‏

بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَرْكَبٍ لِضَعْفِهِ أَوْ كِبَرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَقَدْ زَادَهُ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَرَجَعَ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ مَالِهِ وَيَرُدُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ فَمِنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَفْسَدَ إجَارَتَهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ لِمَا أَفْسَدَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يُفْسِدْ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْحَجَّ فَلَهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَلاَ يُحْرِمُ عَنْ رَجُلٍ إلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ مَرَّةً، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أُحِجَّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ أَحَدٌ يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ يَحُجُّ بِهَا عَنْهُ فَمَا زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ أَحَدٌ إلَّا بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ‏.‏

بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ الْجَزَاءُ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَالْكَفَّارَةُ فِيهِمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَمْنُوعٌ بِحُرْمَةٍ وَكَانَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيَاسُ مَا اخْتَلَفُوا مِنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْعَامِدُ أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْمُخْطِئِ‏.‏

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْجَزَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَا أُكِلَ مِنْ الصَّيْدِ صِنْفَانِ دَوَابُّ وَطَائِرٌ فَمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ نُظِرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْمَقْتُولِ شَبَهًا مِنْ النَّعَمِ فَفَدَى بِهِ، وَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَغَيْرُهُمْ فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَهِيَ لاَ تَسْوَى بَدَنَةً، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لاَ يَسْوَى بَقَرَةً وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لاَ يَسْوَى كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا أَضْعَافًا وَدُونَهَا وَمِثْلَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجُفْرَةٍ وَهُمَا لاَ يُسَاوِيَانِ عَنَاقًا وَلاَ جُفْرَةً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا يُقْتَلُ مِنْ الصَّيْدِ شَبَهًا بِالْبَدَلِ مِنْ النَّعَمِ لاَ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ لاَخْتَلَفَتْ لِاخْتِلاَفِ الْأَسْعَارِ وَتَبَايُنِهَا فِي الْأَزْمَانِ وَكُلُّ دَابَّةٍ مِنْ الصَّيْدِ لَمْ نُسَمِّهَا فَفِدَاؤُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا سَمَّيْنَا فِدَاءَهُ مِنْهَا لاَ نَخْتَلِفُ وَلاَ يُفْدَى إلَّا مِنْ النَّعَمِ وَفِي صِغَارِ أَوْلاَدِهَا صِغَارُ أَوْلاَدِ هَذِهِ، وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ أَوْ مَكْسُورًا فَدَاهُ بِمِثْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُفْدَى الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَفْدِي بِالْإِنَاثِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ الْعُشْرُ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مِنْ ثَمَنِ شَاةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النَّقْصُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ عَلَيْهِ عُشْرُ الشَّاةِ أَوْلَى بِأَصْلِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَإِنْ شَاءَ جَزَاءً بِمِثْلِهِ، وَإِنْ شَاءَ قُوِّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءِ مِنْ الْجَزَاءِ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فَأَمَّا الصَّوْمُ فَحَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي قَتْلِهِ أَوْ جَرْحِهِ‏.‏ وَلَوْ دَلَّ عَلَى صَيْدٍ كَانَ مُسِيئًا وَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَكَانَ مُسِيئًا وَمَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَرَمِ شَيْئًا جَزَاهُ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلاَلاً وَفِي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَفِي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَذَكَرُوا هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَسَوَاءٌ مَا قُتِلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَتَلَ صَيْدٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ لِإِنْسَانٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَقِيمَتُهُ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ جَازَ إذَا تَحَوَّلَ حَالَ الصَّيْدِ مِنْ التَّوَحُّشِ إلَى الِاسْتِئْنَاسِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَنِيسِ جَازَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَيُجْزِي بِهِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَإِذَا تَوَحَّشَ الْإِنْسِيُّ مِنْ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا يُجْزِيهِ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُضَحِّي بِهِ وَلَكِنْ كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ وَمَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فَدَاهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحِلاَقِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَانِ الْأَوَّلُ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَهَكَذَا لَوْ طَافَ بَعْدَ عَرَفَةَ وَحَلَقَ، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ فَإِنْ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏

بَابُ جَزَاءِ الطَّائِرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالطَّائِرُ صِنْفَانِ حَمَامٌ وَغَيْرُ حَمَامٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا حَمَامًا فَفِيهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ وَابْنِ عُمَرَ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا إذَا أُصِيبَ بِمَكَّةَ أَوْ أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ قَالَ عَطَاءٌ فِي الْقُمْرِيّ وَالدُّبْسِيِّ شَاةٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ فَهُوَ حَمَامٌ وَفِيهِ شَاةٌ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الطَّيْرِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ فِي جَرَادَتَيْنِ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ افْعَلْ مَا جَعَلْتُ فِي نَفْسِك وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي جَرَادَةٍ تَمْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَرَادَةٍ تَصَدَّقْ بِقَبْضَةِ طَعَامٍ وَلْيَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةِ جَرَادَاتٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ فَأَمَرَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَمَا كَانَ مِنْ بَيْضِ طَيْرٍ يُؤْكَلُ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَقِيمَتُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ وَلاَ يَأْكُلُهَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّيْدِ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا صَيْدٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ نَتَفَ طَيْرًا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ النَّتْفُ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ نَتْفِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ حَبَسَهُ وَأَلْقَطَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى يَصِيرَ مُمْتَنِعًا وَفَدَى مَا نَقَصَ النَّتْفُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَهُ فَجَبَرَهُ فَصَارَ أَعْرَجَ لاَ يَمْتَنِعُ فَدَاهُ كَامِلاً‏.‏

بَابُ مَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْفَأْرَةَ وَالْحِدَأَةَ وَالْغُرَابَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَمَا أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مِثْلَ السَّبُعِ وَالنِّمْرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ صِغَارُ ذَلِكَ وَكِبَارُهُ سَوَاءٌ وَلَيْسَ فِي الرَّخَمِ وَالْخَنَافِسِ وَالْقِرْدَانِ وَالْحَلَمِ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ، وَقَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَلاَلاً؛ لِأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَحْرُمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ‏.‏

بَابُ الْإِحْصَارِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ ‏{‏وَأُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏}‏ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ يَحْبِسُ فِي سَجْنٍ نَحَرَ هَدْيًا لِإِحْصَارِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَيَقْضِي، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَشْتَرِيهِ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ لاَ يَحِلَّ إلَّا بِهَدْيٍ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ حَلِّ وَأَتَى بِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَقِيلَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَلَمْ يَقْدِرْ فَمَتَى قَدَرَ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَشْبَهُهُمَا بِالْقِيَاسِ‏:‏ إذَا أُمِرَ بِالرُّجُوعِ لِلْخَوْفِ أَنْ لاَ يُؤْمَرَ بِالْمُقَامِ لِلصِّيَامِ وَالصَّوْمُ يُجْزِئُهُ فِي كُلِّ مَكَان‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ، وَالصَّوْمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ أَنْ يُقَوِّمَ الشَّاةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ حَصْرَ إلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ وَذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لاَ يُحِلُّ مُحْرِمٌ حَبَسَهُ بَلاَءٌ حَتَّى يَطُوفَ إلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ قَالَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلَّا طَافَ وَسَعَى وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا أَجْزَأَهُ وَلاَ وَقْتَ لِلْعُمْرَةِ فَتَفُوتَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعَدُوِّ خَائِفُ الْقَتْلِ إنْ أَقَامَ، وَقَدْ رُخِّصَ لِمَنْ لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَتَحَرَّفَ لِقِتَالٍ أَوْ يَتَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ فَيَنْتَقِلُ بِالرُّجُوعِ مِنْ خَوْفِ قَتْلٍ إلَى أَمْنٍ وَالْمَرِيضُ حَالُهُ وَاحِدَةٌ فِي التَّقَدُّمِ وَالرُّجُوعِ، وَالْإِحْلاَلُ رُخْصَةٌ فَلاَ يُعَدَّى بِهَا مَوْضِعُهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ فَلَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ مَسْحُ عِمَامَةٍ وَلاَ قُفَّازَيْنِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَاسَ حِلُّ الْمَرِيضِ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ جَازَ أَنْ يُقَاسَ حِلُّ مُخْطِئِ الطَّرِيقِ وَمُخْطِئِ الْعَدَدِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ‏.‏ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابُ إحْرَامِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَهُمَا فِي مَعْنَى الْإِحْصَارِ وَلِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ مَنْعُهُمَا، وَهُمَا فِي مَعْنَى الْعَدُوِّ فِي الْإِحْصَارِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَاهُ فَإِنَّ لَهُمَا مَنْعَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ وَمُخَالِفُونَ لَهُ فِي أَنَّهُمَا غَيْرُ خَائِفِينَ خَوْفَهُ‏.‏

بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الْعَشْرُ وَآخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَالْمَعْدُودَاتُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ النَّحْرِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ سَمَّاهُنَّ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الِاسْمَيْنِ لَمْ يَقَعَا عَلَى أَيَّامٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقَعَا عَلَى أَيَّامٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهُ الْأَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ أَيَّامٍ مِنْهَا غَيْرَ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ اسْمَ كُلِّ يَوْمٍ غَيْرُ الْآخَرِ وَهُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ عِنْدِي‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ الْمَعْلُومَاتُ الْعَشْرَ لَكَانَ النَّحْرُ فِي جَمِيعِهَا فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ فِي جَمِيعِهَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْمَعْلُومَاتُ فِيهَا، يُقَالُ لَهُ قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- ‏{‏سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا‏}‏ وَلَيْسَ الْقَمَرُ فِي جَمِيعِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي وَاحِدِهَا أَفَيَبْطُلُ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ فِيهِنَّ نُورًا كَمَا قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابُ الْهَدْيِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّى، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأُنْثَى فَصَاعِدًا وَيُجْزِئُهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَ دُونَ الْحَرَمِ وَهُوَ مَحِلُّهَا لِقَوْلِ اللَّهِ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ إلَّا أَنْ يُحْصَرَ فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً قَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَأَشْعَرَهَا وَضَرَبَ شِقَّهَا الْأَيْمَنَ مِنْ مَوْضِعِ السَّنَامِ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُدْمِيَهَا وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةٌ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً قَلَّدَهَا خُرَبَ الْقِرَبِ وَلاَ يُشْعِرُهَا، وَإِنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّبْعَةُ فِي الْبَدَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَفِي الْبَقَرَةِ كَذَلِكَ وَرُوِيَ ‏{‏عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَدَنَةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ نَاقَةً فَنُتِجَتْ سِيقَ مَعَهَا فَصِيلُهَا وَتُنْحَرُ الْإِبِلُ مَعْقُولَةً وَغَيْرَ مَعْقُولَةٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَحَرَهَا بَارِكَةً وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَإِنْ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَكَرِهْته لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا نَحَرَهُ بَعْدَ مَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا نَحَرَهُ بَعْدَمَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَحَيْثُ نَحَرَ مَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهَا لِقَوْلِ اللَّهِ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا‏}‏ ‏{‏وَأَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَأَطْعَمَ وَكَانَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا‏}‏ وَمَا عَطِبَ مِنْهَا نَحَرَهَا وَخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَلاَ بَدَلَ عَلَيْهِ فِيهَا وَمَا كَانَ وَاجِبًا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَمَا عَطِبَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ مَكَانَهُ‏.‏

كِتَابُ الْبَيْعِ

بَابُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ فَلَمَّا ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بُيُوعٍ تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ‏}‏ اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ اللَّهَ- جَلَّ وَعَزَّ- أَحَلَّ الْبُيُوعَ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِذَا عَقَدَا بَيْعًا مِمَّا يَجُوزُ وَافْتَرَقَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَقَدْ أَجَازَ فِي الْإِمْلاَءِ وَفِي كِتَابِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَفِي الصَّدَاقِ وَفِي الصُّلْحِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَهَذَا بِنَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْلَى بِهِ إذْ أَصْلُ قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ وَعَيْنٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بَيْعُ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ بَعْضُهُ لِجَهْلِهِ بِهِ فَكَيْفَ يُجِيزُ شِرَاءَ مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ قَطُّ، وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ ثَوْبٌ أَمْ لاَ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ‏.‏

بَابُ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلاً ثُمَّ رَجَعَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فِيهِ إلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏{‏الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَفِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَحْضُرْ يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ حِفْظُهُ، وَقَدْ سَمِعْته مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوَا عَلَيْهِ فَقَالَ لاَ أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إذْ بَقِيَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يُخَيَّرُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ شَاهِدُ عَدْلٍ أَنَّكُمَا تَفَرَّقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أَوْ خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُمَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ غَيْرُ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ فَلَوْ تَسَاوَمَا فَقَالَ رَجُلٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا كَانَ صَادِقًا، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ بَعْدَ التَّبَايُعِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلاَ تَفَرُّقَ بَعْدَمَا صَارَا مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا تَفَرُّقَ الْأَبْدَانِ فَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبْدَانِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، وَإِذَا كَانَ يَجِبُ التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ ‏{‏خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ عَمْرَكَ اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ فَكَانَ طَاوُسٌ يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ، وَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ وَكَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلاً؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ الْبَائِعِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْهَا يَوْمَ تَلِدُهُ وَلَحِقَهُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ اخْتِيَارٌ لِفَسْخِ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَهَذَا عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اخْتَارَهَا، وَقَدْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى كَمَا جَعَلَ الْوَطْءَ اخْتِيَارًا لِفَسْخِ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالْخِيَارُ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَهِيمَةً فَنُتِجَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ تَفَرَّقَا فَوَلَدُهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ وَهُوَ حَمْلٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَلاَ بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ وَلَوْلاَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْمُصَرَّاةِ وَلِحَبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فِيمَا اشْتَرَى ثَلاَثًا لَمَا جَازَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ سَاعَةً وَلاَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِالثَّمَنِ وَلاَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالْجَارِيَةِ فَلَمَّا أَجَازَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ ثَلاَثًا اتَّبَعْنَاهُ وَلَمْ نُجَاوِزْهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثًا حَدًّا‏.‏

بَابُ الرِّبَا وَمَا لاَ يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَلاَ مُؤَجَّلاً وَالصَّرْفِ

سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلاَ الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلاَ الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلاَ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلاَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلاَ الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ ‏{‏فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّرْفِ وَبِهِ قُلْنَا وَبِهَا تَرَكْنَا قَوْلَ مَنْ رَوَى عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ‏}‏؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفَسَّرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرِّبَا أَفِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ أَوْ تَمْرٌ بِحِنْطَةٍ‏؟‏ فَقَالَ ‏{‏الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ‏}‏ فَحَفِظَهُ فَأَدَّى قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَسْأَلَةَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ‏}‏ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى فَيَكُونُ الْأَخْذُ مَعَ الْإِعْطَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى يَتَقَابَضَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تُعْطِيَهُ وَرِقَهُ أَوْ تَرُدَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَخْرَجَ ‏{‏هَاءَ وَهَاءَ‏}‏ تَقَابُضُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَالرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ فِي النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ وَفِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ يَكُونُ فِي الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَ الْوَزْنَ عَلَى الْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَأْكُولَيْنِ وَمُبَايِنَانِ لِمَا سِوَاهُمَا وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لاَ رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَوْ قِسْنَا عَلَيْهِمَا الْوَزْنَ لَزِمَنَا أَنْ لاَ نُسْلِمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ طَعَامٍ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ نُسْلِمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ وَرِقٍ وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلاَفًا أَنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ يُسْلَمَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ يُسْلَمُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فِي فُلُوسٍ وَهُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَلاَ فِي تِبْرِهَا، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِلْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَةِ، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي التِّبْرِ إلَى أَصْلِهِ، وَالنُّحَاسُ مِمَّا لاَ رِبَا فِيهِ، وَقَدْ أَجَازَ عَدَدٌ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ السَّلَفَ فِي الْفُلُوسِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَضْرُوبُ الذَّهَبِ دَنَانِيرَ وَمَضْرُوبُ الْوَرِقِ دَرَاهِمَ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ وَلاَ يَكُونُ مَضْرُوبُ النُّحَاسِ فُلُوسًا فِي مَعْنَى النُّحَاسِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِفَ شَيْئًا بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَا مُتَفَاضِلَيْنِ يَدًا بِيَدٍ قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَفَ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّفَ فِي الذَّهَبِ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ أُرِيدَ بِهِمَا الذَّبْحُ أَوْ لَمْ يُرَدْ وَرِطْلَ نُحَاسٍ بِرِطْلَيْنِ وَعَرْضًا بِعَرْضَيْنِ إذَا دَفَعَ الْعَاجِلَ وَوَصَفَ الْآجِلَ وَمَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ مِمَّا لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ فَلاَ يُبَاعُ مِنْهُ يَابِسٌ بِرَطْبٍ قِيَاسًا عِنْدِي عَلَى مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ وَمَا يَبْقَى وَيُدَّخَرُ أَوْ لاَ يَبْقَى وَلاَ يُدَّخَرُ وَكَانَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْ نَقِيسَهُ بِمَا يُبَاعُ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا وَلاَ يَصْلُحُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا وَلاَ وَزْنًا وَلاَ سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلاَ بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيُبَاعُ جِنْسٌ مِنْهُ بِجِنْسٍ مِنْ غَيْرِهِ مُتَفَاضِلاً وَجُزَافًا يَدًا بِيَدٍ وَلاَ بَأْسَ بِرُمَّانَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ كَمَا لاَ بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ وَمَا كَانَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ هِلِيلَجِهَا وَبِلِيلَجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُقْتَاتُ فَقَدْ تُعَدُّ مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً فَهِيَ بِأَنْ تُقَاسَ عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِلْقُوتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا فِي مَعْنَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَنْفَعَةِ الْبَدَنِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تُقَاسَ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا‏.‏ وَأَصْلُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ الْكَيْلُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ وَزْنًا بِكَيْلٍ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ يَكُونُ وَزْنُهُ أَرْطَالاً وَصَاعٌ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَلَوْ كَيْلاً كَانَ صَاعٌ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ كَيْلاً وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلاً فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَلاَ بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلاَ خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ خَيْرَ فِي التَّحَرِّي فِيمَا فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رِبًا وَلاَ خَيْرَ فِي مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَكُلُّ زَيْتٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ وَجَوْزٍ وَبُزُورٍ لاَ يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ‏.‏ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَطْبُوخٌ بِنِيءٍ مِنْهُ بِحَالٍ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَلاَ مَطْبُوخَ مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ مَا أَرَى لِاشْتِرَاطِهِ- يَعْنِي الشَّافِعِيَّ- إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ مَا اُدُّخِرَ وَمَا لَمْ يُدَّخَرْ وَاحِدٌ وَالنَّارُ تُنْقِصُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يُبَاعُ عَسَلُ نَحْلٍ بِعَسَلِ نَحْلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ بِالْعَسَلِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلاً وَلاَ خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لاَ شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مُتَفَاضِلَةٍ وَمَجْهُولَةٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لاَ يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِنْ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دَقَّ مِنْ تِبْنِهِ‏.‏ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلاَ خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزِهِ وَضَأْنِهِ صِنْفٌ، وَلَبَنُ الْبَقَرِ عِرَابِهَا وَجَوَامِيسِهَا صِنْفٌ وَلَبَنُ الْإِبِلِ مُهْرِيِّهَا وَعِرَابِهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ‏.‏ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلاَ بَأْسَ مُتَفَاضِلاً يَدٌ بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِي زُبْدِ غَنَمٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ؛ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ وَلاَ خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ، وَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الزُّبْدُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ بِزُبْدٍ وَسَمْنٍ وَلاَ خَيْرَ فِي شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ يُقْدَرُ عَلَى حَلْبِهِ بِلَبَنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لاَ أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَتْ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ، وَقَدْ ‏{‏جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّبَنِ التَّصْرِيَةَ بَدَلاً‏}‏، وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْمَبِيعِ فِي قِشْرِهِ يَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ أَنَّى شَاءَ، وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ لاَ يُقْدَرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ بِرُطَبٍ بِحَالٍ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ‏؟‏‏}‏ فَنَهَى عَنْهُ فَنَظَرَ إلَى الْمُتَعَقِّبِ‏.‏ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمُتَعَقِّبِ مَجْهُولاَ الْمِثْلِ تَمْرًا، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ قَمْحٌ مَبْلُولٌ بِقَمْحٍ جَافٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ بِأَعْيَانِهِمَا إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَا فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يُبَايِعْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ سِلْعَةٍ بَاعَهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ مَالِ بَائِعِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا فَلَمَّا هَلَكَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ ثَمَنِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَإِنْ وَجَدَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَبَسَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حَبَسَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِذَا تَبَايَعَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عَيْنِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَبْدَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ الْمَعِيبَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ‏.‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ كَالْجَوَابِ فِي الْعَيْنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنْ يُبَدَّلَ الْمَعِيبُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ أَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَلَمًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَخَذَ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَتَنَوُّعُ الصِّفَاتِ غَيْرُ تَنَوُّعِ الْأَعْيَانِ وَمَنْ أَجَازَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ رَدَّ الْمَعِيبَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إذَا كَانَ بَيْعُ الْعَيْنِ وَالصِّفَاتِ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فِيمَا يَجُوزُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ سَوَاءٌ وَفِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَا فِي حُكْمِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءً، وَقَدْ قَالَ يَرُدُّ الدَّرَاهِمَ بِقَدْرِ حِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَاطَلَ مِائَةَ دِينَارٍ عُتُقٍ مَرْوَانِيَّةٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ مَكْرُوهٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ خَيْرٌ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَدُونَ الْمَرْوَانِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ مَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ مِنْ عَبْدٍ وَدَارٍ أَنَّ الثَّمَنَ مَقْسُومٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ قِيمَةُ الْجَيِّدِ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ الرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ أَقَلَّ مِنْ الْجَيِّدِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الصَّرَّافِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ إذَا قَبَضَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ وَعَادَةٌ وَغَيْرُ عَادَةٍ سَوَاءٌ‏.‏

بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ، وَإِنْسِيُّهُ وَطَائِرُهُ لاَ يَحِلُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ يَابِسًا وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ فَخَرَّجَهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ وَمَنْ قَالَ اللَّحْمَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ إذَا حَدَّهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَهُ فِي جِمَاعِ الثَّمَرِ فَيَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الثِّمَارِ صِنْفًا وَاحِدًا وَهَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فَإِذَا كَانَ تَصْيِيرُ اللَّحْمَانِ صِنْفًا وَاحِدًا قِيَاسًا لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَأَنَّهَا عَلَى الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ فَقَدْ قَطَعَ بِأَنَّ اللَّحْمَانِ أَصْنَافٌ‏.‏ قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَقَدْ قَطَعَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلُحُومُهَا الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَلْبَانِ بِالِاخْتِلاَفِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ‏:‏ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلاَ بَأْسَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَكَذَلِكَ لُحُومُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ لِمَا وَصَفْنَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ‏}‏ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أَعْطُونِي جُزْءًا بِهَذِهِ الْعَنَاقِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَصْلُحُ هَذَا وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَاجِلاً وَآجِلاً يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلاَ يُرَخِّصُونَ فِيهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ كَانَ اللَّحْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فَصِيلٌ بِجَزُورٍ قَائِمَيْنِ جَائِزًا وَلاَ يَجُوزَانِ مَذْبُوحَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا طَعَامَانِ لاَ يَحِلُّ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ فَهَذَا لَحْمٌ وَهَذَا حَيَوَانٌ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِمَّنْ يَكُونُ بِقَوْلِهِ اخْتِلاَفٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَابِتًا فَيَكُونُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

بَابُ بَيْعِ الثَّمَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِبَارَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ حَدًّا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَقَلُّ الْإِبَارِ أَنْ يُؤَبَّرَ شَيْءٌ مِنْ حَائِطِهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ كُلُّهُ، وَلَوْ تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولُ نَخْلٍ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ وَهِيَ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ فِي الْبَيْعِ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ الْبَهَائِمِ بِيعَتْ فَحَمْلُهَا تَبَعٌ لَهَا كَعُضْوٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلْهَا فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ إذَا خَرَجَ جَوْزُهُ، وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُخَالِفُ الثِّمَارُ مِنْ الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلَ فَتَكُونُ كُلُّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً وَتُرَى فِي أَوَّلِ مَا تَخْرُجُ كَمَا تُرَى فِي آخِرِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ بَارِزًا مِنْ الطَّلْعِ، فَإِذَا بَاعَهُ شَجَرًا مُثْمِرًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ فَارَقَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا فِي الشَّجَرِ كَمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مُسْتَوْدَعًا فِي الْأَمَةِ، وَمَعْقُولٌ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكَهَا فِي شَجَرِهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْجِدَادَ أَوْ الْقِطَافَ أَوْ اللِّقَاطَ فِي الشَّجَرِ فَإِذَا كَانَ لاَ يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ، وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلاَحُ ثَمَرِهِ فَإِذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا تَكُونُ فِيهِ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْخَارِجَةُ ثَمَرَةَ غَيْرِهَا فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلِلْبَائِعِ الثَّمَرَةُ الْخَارِجَةُ وَلِلْمُشْتَرِي الْحَادِثَةُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَمَيَّزُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونُ قَدْ زَادَهُ حَقًّا لَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فَيَعْفُو لَهُ عَنْ حَقِّهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ مَفْسُوخٌ وَهَكَذَا قَالَ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ وَالْخِرْبِزِ وَهَكَذَا قَالَ فِيمَنْ بَاعَ قُرْطًا جَزَّهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ فَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى زَادَ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ لَهُ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلاَ ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً فَانْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الزِّيَادَةَ أَوْ يَفْسَخَ لِاخْتِلاَطِ مَا بَاعَ بِمَا لَمْ يَبِعْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ مَا دَامَ فِي يَدَيْهِ وَلاَ يُكَلَّفُ مَا لاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَضُرَّ الْبَيْعَ شَيْءٌ لِتَمَامِهِ وَهَذَا الْمُخْتَلَطُ لَهُمَا يَتَرَاضَيَانِ فِيهِ بِمَا شَاءَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لاَ أَدْرِي مَا لِي فِيهِ، وَإِنْ تَدَاعَيَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي كَانَتْ الثَّمَرَةُ فِي يَدَيْهِ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ وَالْأَصْلُ مَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ وَزَرْعٍ مُثْمِرٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ يُتْرَكُ حَتَّى يُحْصَدَ، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا يُجَزُّ مِرَارًا فَلِلْبَائِعِ جِزَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا بَقِيَ فَكَالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَبٌّ قَدْ بَذَرَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ نَقْضَ الْبَيْعِ أَوْ تَرْكَ الْبَذْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُحْصَدَ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا حِجَارَةٌ مُسْتَوْدَعَةٌ فَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهَا وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ حَالَهَا لاَ يَتْرُكُهَا حُفَرًا وَلَوْ كَانَ غَرَسَ عَلَيْهَا شَجَرًا فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِعُرُوقِ الشَّجَرِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَضُرُّ بِهَا وَيَضُرُّهَا إذَا أَرَادَ قَلْعَهَا قِيلَ لِلْبَائِعِ‏:‏ أَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ سَلَّمْتهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَبَيْت قِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي الرَّدِّ أَوْ يَقْلَعُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ عَلَيْك‏.‏

بَابُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ‏}‏ وَرَوَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم ابْنُ عُمَرَ ‏{‏حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا‏}‏ وَرَوَى غَيْرُهُ ‏{‏حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذَا مَنَعَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ‏؟‏‏}‏ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُتْرَكُ حَتَّى تَبْلُغَ غَايَةَ إبَانِهَا لاَ أَنَّهُ نَهَى عَمَّا يُقْطَعُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا لاَ آفَةَ تَأْتِي عَلَيْهِ تَمْنَعُهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً يَكُونُ فِي مِثْلِهَا الْآفَةُ كَالْبَلَحِ وَكُلِّ مَا دُونَ الْبُسْرِ يَحِلُّ بَيْعُهُ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ، وَإِذَا أَذِنَ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْعِهِ إذَا صَارَ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقَدْ أَذِنَ فِيهِ إذَا بَدَا فِيهِ النُّضْجُ وَاسْتُطِيعَ أَكْلُهُ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ بَلَحًا وَصَارَ عَامَّتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَمْتَنِعُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْعَاهَةِ لِغِلَظِ نَوَاتِهِ فِي عَامَّتِهِ وَبُسْرِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ مِنْ أَصْلٍ يُرَى فِيهِ أَوَّلُ النُّضْجِ لاَ كِمَامَ عَلَيْهَا وَلِلْخِرْبِزِ نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رُئِيَ ذَلِكَ فِيهِ حَلَّ بَيْعُ خِرْبِزِهِ وَالْقِثَّاءُ يُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوُّ صَلاَحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتَلاَحَقَ صِغَارُهُ بِكِبَارِهِ وَلاَ وَجْهَ لِمَنْ قَالَ‏:‏ يَجُوزُ إذَا بَدَا صَلاَحُهُمَا وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِمَا مَا ثَبَتَ أَصْلُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْهُمَا وَهَذَا مُحَرَّمٌ وَكَيْفَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُمَا كَمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَيَحِلُّ مَا لَمْ يُرَ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا وَلَوْ جَازَ لِبُدُوِّ صَلاَحِهِمَا شِرَاءُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا لَجَازَ لِبُدُوِّ صَلاَحِ ثَمَرِ النَّخْلِ شِرَاءُ مَا لَمْ يَحْمِلْ النَّخْلُ سِنِينَ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ دُونَهَا حَائِلٌ مِنْ قِشْرٍ أَوْ كِمَامٍ وَكَانَتْ إذَا صَارَتْ إلَى مَا يُكِنُّهَا أَخْرَجُوهَا مِنْ قِشْرِهَا وَكِمَامِهَا بِلاَ فَسَادٍ عَلَيْهَا إذَا ادَّخَرُوهَا فَاَلَّذِي أَخْتَارُ فِيهَا أَنْ لاَ يَجُوزَ بَيْعُهَا فِي شَجَرِهَا وَلاَ مَوْضُوعَةً بِالْأَرْضِ لِلْحَائِلِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شِرَاءِ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَيْهَا جِلْدُهَا لِلْحَائِلِ دُونَ لَحْمِهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ عُشْرَ الْحُبُوبِ فِي أَكْمَامِهَا وَلاَ يُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَنَا أُجِيزَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فِي تِبْنِهَا أَوْ فِضَّةً فِي تُرَابٍ بِالتُّرَابِ وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَرْفَعُهَا النَّاسُ عَنْهَا فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُرْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا‏.‏ وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ التَّمْرِ مُدًّا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ الْمُدُّ مِنْ الْحَائِطِ أَسَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ أَوْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا مَجْهُولٌ وَلَوْ اسْتَثْنَى رُبُعَهُ أَوْ نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا فَجَائِزٌ‏.‏

وَإِنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ وَفِيهِ الزَّكَاةُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مَا جَاوَزَ الصَّدَقَةَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الرَّدُّ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَضْلَ عَنْ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ الرَّدَّ وَلِلسُّلْطَانِ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ الثَّمَرَةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ فِيمَنْ اشْتَرَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ بَاطِلٌ وَلَمْ يَقُلْهُ هَا هُنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَرْجِعُ مَنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ بِالْجَائِحَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثَهُ فِي الْجَائِحَةِ لَصِرْت إلَيْهِ فَإِنِّي سَمِعْته مِنْهُ وَلاَ يَذْكُرُ الْحَائِجَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا، وَقَالَ كَانَ كَلاَمٌ قَبْلَ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَمْ أَحْفَظْهُ وَلَوْ صِرْت إلَى ذَلِكَ لَوَضَعْت كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ مِنْ السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلاَ يُوضَعُ مَا دُونَهُ فَهَذَا لاَ خَبَرَ وَلاَ قِيَاسَ وَلاَ مَعْقُولَ‏.‏

بَابُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ‏}‏ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقِ حِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرَقِ تَمْرٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ مَا الْمُحَاقَلَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْمُحَاقَلَةُ فِي الْحَرْثِ كَهَيْئَةِ الْمُزَابَنَةِ فِي النَّخْلِ سَوَاءٌ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْقَمْحِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَفَسَّرَ لَكُمْ جَابِرٌ الْمُحَاقَلَةَ كَمَا أَخْبَرْتَنِي‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ إلَّا فِي الْعَرَايَا، وَجِمَاعُ الْمُزَابَنَةِ‏:‏ أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ مَا عَقَدَ بَيْعَهُ مِمَّا الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ رِبًا فَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِشَيْءٍ مِنْهُ جُزَافًا وَلاَ جُزَافًا بِجُزَافٍ مِنْ صِنْفِهِ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ أَضْمَنُ لَك صُبْرَتَك هَذِهِ بِعِشْرِينَ صَاعًا فَمَا زَادَ فَلِي وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ تَمَامُهَا فَهَذَا مِنْ الْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ‏.‏

بَابُ الْعَرَايَا

أَخْبَرَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏}‏ الشَّكُّ مِنْ دَاوُد، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثًا فِيهِ قُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ‏:‏ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ‏؟‏ فَقَالَ فُلاَنٌ وَفُلاَنَةُ وَسَمَّى ‏{‏رِجَالاً مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلاَ نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَدِيثُ سُفْيَانَ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ اخْتَلَفَ مَا وَصَفَ الشَّافِعِيُّ فِي الْعَرَايَا وَكَرِهْت الْإِكْثَارَ فَأَصَحُّ ذَلِكَ عِنْدِي مَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ وَمَا قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ الْحَدِيثِ ‏"‏ وَفِي الْإِمْلاَءِ أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ نَقْدَ عِنْدَهُمْ وَلَهُمْ تَمْرٌ مِنْ فَضْلِ قُوتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِيهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلاَ أَفْسَخُهُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَفْسَخُهُ فِي أَكْثَرَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَلْزَمُهُ فِي أَصْلِهِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ وَأَصْلُ بَيْعِ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ حَرَامٌ بِيَقِينٍ وَلاَ يَحِلُّ مِنْهُ إلَّا مَا أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَقِينٍ فَأَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يَقِينٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ وَلَيْسَتْ الْخَمْسَةُ بِيَقِينٍ فَلاَ يَبْطُلُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَبْتَاعُ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَرِيَّةَ بِالتَّمْرِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُصَ الْعَرِيَّةَ كَمَا يَخْرُصُ الْعُشْرَ فَيُقَالُ فِيهَا الْآنَ رُطَبًا كَذَا، وَإِذَا يَبِسَ كَانَ كَذَا فَيَدْفَعُ مِنْ التَّمْرِ مَكِيلَةً خَرَصَهَا تَمْرًا وَيَقْبِضُ النَّخْلَةَ بِتَمْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ دَفْعِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَبِيعُ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِكُلِّ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ حَائِطِهِ وَالْعَرَايَا مِنْ الْعِنَبِ كَهِيَ مِنْ التَّمْرِ لاَ يَخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَّ الْخَرْصَ فِي ثَمَرَتِهِمَا وَلاَ حَائِلَ دُونَ الْإِحَاطَةِ بِهِمَا‏.‏

بَابُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ‏}‏، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُكْتَالَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلاَ أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ تَمَامُ مِلْكٍ فَيَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ كَذَلِكَ قِسْنَا عَلَيْهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَمَنْ ابْتَاعَهُ جُزَافًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ رَوَى ‏{‏عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا فَيَبْعَثُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَاعُوهُ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ‏}‏ وَمَنْ وَرِثَ طَعَامًا كَانَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَبَاعَ طَعَامًا آخَرَ فَأَحْضَرَ الْمُشْتَرِي مَنْ اكْتَالَهُ مِنْ بَائِعِهِ، وَقَالَ اكْتَالَهُ لَك لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ فَإِنْ قَالَ أَكْتَالُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي حَضَرْته لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ كَيْلاً فَلاَ يَبْرَأُ حَتَّى يَكِيلَهُ لِمُشْتَرِيهِ وَيَكُونَ لَهُ زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ، وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ الصِّيعَانُ‏}‏ وَلاَ يَقْبِضُ الَّذِي لَهُ طَعَامٌ مِنْ طَعَامٍ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ وَكِيلاً لِنَفْسِهِ مُسْتَوْفِيًا لَهَا قَابِضًا مِنْهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ حَلَّ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَحَالَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ مَا كَانَ لَهُ بَيْعٌ، وَإِحَالَتُهُ بِهِ بَيْعٌ مِنْهُ لَهُ بِطَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ طَعَامًا فَصَدَّقَهُ فِي كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَبَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا وَجَدَ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ‏.‏

بَابُ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالتَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلاَفُ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ ثُمَّ تُتْرَكَ مِنْ الْحِلاَبِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَلَبَهَا بَعْدَ تِلْكَ الْحَلْبَةِ حَلْبَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا لِنُقْصَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَلَهَا ثَمَنًا وَاحِدًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ فَإِنْ كَانَ رَضِيَهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ثَمَنًا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ وَلاَ يَرُدُّ اللَّبَنَ الْحَادِثَ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ‏}‏‏.‏

بَابُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خَفَّافٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ غُلاَمًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَدِّهِ وَغَلَّتِهِ فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ ‏{‏الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ‏}‏ فَرَدَّ عُمَرُ قَضَاءَهُ، وَقَضَى لِمَخْلَدِ بْنِ خَفَّافٍ بِرَدِّ الْخَرَاجِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَا حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَلَّةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَوَلَدِ أَمَةٍ فَكُلُّهُ فِي مَعْنَى الْغَلَّةِ لاَ يَرُدُّ مِنْهَا شَيْئًا وَيَرُدُّ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَمَّا أَخَذَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا فَالْوَطْءُ أَقَلُّ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً كَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً وَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً وَصَحِيحَةً مِنْ الثَّمَنِ‏.‏

وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَوْجُودًا فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلنِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ‏.‏ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلاَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ إذَا فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ لاَ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ‏.‏

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ وَمِثْلُهُ يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَأَوْصَلْته إلَيْك وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُهُ إيَّاهُ وَهُوَ بَرِيءٌ ثُمَّ يُصِيبُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَنْبَغِي فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَقَدْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يُحَلِّفْهُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَقَدْ حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ فَنَكُونُ قَدْ ظَلَمْنَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لاَزِمٌ فِي أَصْلِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ كُلُّ مَا اشْتَرَيْت مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرْته فَأَصَبْته فَاسِدًا فَلَكَ رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا إلَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ فَاسِدًا قِيمَةٌ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُرَدُّ الرَّانِجُ مَكْسُورًا كَمَا لاَ يُرَدُّ الثَّوْبُ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي عُنُقِهِ كَالرَّهْنِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُبَاعُ فَيُعْطِي رَبَّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ، وَبِهَذَا أَقُولُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَكْثَرَ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا أَقُولُهُ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا تَجْوِيزًا مِنْهُ لِلْعِتْقِ، وَقَدْ سَوَّى فِي الرَّهْنِ بَيْنَ إبْطَالِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا جَازَ الْعِتْقُ فِي الْجِنَايَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونَ مَبِيعًا مَعَهُ فَمَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ وَمَا حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ مِنْ هَذَا‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَالِكِ الْعَبْدِ فَالْعَبْدُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ مَالَهُ مَجْهُولاً، وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا وَاشْتَرَاهُ بِدَيْنٍ كَانَ هَذَا بَيْعَ الْغَرَرِ وَشِرَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ ‏"‏ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ‏"‏ عَلَى مَعْنَى مَا حَلَّ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْبَيْعَ مُطْلَقًا عَلَى مَعْنَى مَا يَحِلُّ لاَ عَلَى مَا يَحْرُمُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَمَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَمَةِ تَبَعًا لَهَا وَحُقُوقُ الدَّارِ تَبَعًا لَهَا وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ دُونَ أُمِّهِ وَلاَ حُقُوقُ الدَّارِ دُونَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَصَحُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلاَ يُنْتَقَضُ بِهِ الْبَيْعُ‏.‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ‏:‏ سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ هَذَا غَلَطٌ عِنْدِي فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا بِالتَّدْلِيسِ كَانَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْمُحَرَّمِ مُنْتَقَضًا، وَإِذَا قَالَ‏:‏ لاَ يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَدْ ثَبَتَ تَحْلِيلُ الثَّمَنِ غَيْرَ أَنَّهُ بِالتَّدْلِيسِ مَأْثُومٌ فَتَفَهَّمْ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا وَبِهِ وَقَعَتْ الْعُقْدَةُ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَرَأَيْت لَوْ اشْتَرَاهَا بِجَارِيَةٍ فَدَلَّسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَمَا دَلَّسَ الْبَائِعُ بِمَا بَاعَ فَهَذَا إذًا حَرَامٌ بِحَرَامٍ يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ وَالْبَيْعُ فِي نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا سَبَبٌ يَحْرُمُ فَلَيْسَ السَّبَبُ هُوَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ السَّبَبُ حَرُمَ الْبَيْعُ، وَفَسَدَ الشِّرَاءُ فَتَفَهَّمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَكْرَهُ بَيْعَ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَالسَّيْفَ مِمَّنْ يَعْصِي اللَّهَ بِهِ وَلاَ أَنْقُضُ الْبَيْعَ‏.‏

بَابُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا بَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ فَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ قَضَاءُ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلاَ يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَهُ وَيَقِفُهُ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا فَإِنَّ الْحَيَوَانَ مُفَارِقٌ لِمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُفْتَدَى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحَوُّلِ طَبَائِعِهِ فَقَلَّمَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ، وَإِنْ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ لَوْلاَ مَا وَصَفْنَا مِنْ افْتِرَاقِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ أَنْ لاَ يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ تَخْفَى لَهُ لَمْ يَرَهَا وَلَوْ سَمَّاهَا لِاخْتِلاَفِهَا أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ‏.‏

بَابُ بَيْعِ الْأَمَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا بَاعَهُ جَارِيَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مُوَاضَعَةٌ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ لَزِمَ الْبَائِعَ التَّسْلِيمُ وَلاَ يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لاَ يَلْزَمُ دَفْعُ الثَّمَنِ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ دَفْعِ الثَّمَنِ‏.‏ وَفَسَادٌ آخَرُ‏:‏ أَنَّ الْجَارِيَةَ لاَ مُشْتَرَاةَ شِرَاءَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا وَلاَ عَلَى بَيْعِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَلاَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَمِيلاً بِعُهْدَةٍ وَلاَ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا التَّحَفُّظُ قَبْلَ الشِّرَاءِ‏.‏